هل يستطيع العالم العربي قلب الموازين؟ — رؤية تحليلية لِـمصطفى فراج المخلوفي

أكتب هذه السطور وأنا أتأمل خريطة المنطقة، وأتساءل: لماذا في زمن امتلكت فيه بعض دولنا موارد استراتيجية لا تضاهى — من نفط وغاز وقنوات بحرية ومواقع جيوسياسية حسّاسة — ما زلنا نُصنّف في خانة القوى الهامشية على المسرح العالمي؟ في هذا التحليل سأعرض مشكلات الواقع، وأستعرض سيناريوهات اتحاد عربي ممكنة، وأفصّل إمكانيات كل نقطة — مع توضيح القيود والمخاطر.


1. وضع الضعف الراهن: لماذا تبدو الدول العربية مشتتة وضعيفة؟

الضعف الذي نتحدث عنه ليس مجرد ضعف عسكري أو اقتصادي فحسب؛ بل هو ناتج تراكم عوامل سياسية وثقافية وتاريخية:

  • تشتت المصالح الوطنية: كل دولة تقيّم مصالحها القومية بشكل منفصل — ما يسهّل على قوى خارجية استغلال الفجوات.
  • اختلاف أنماط الحكم والمؤسسات: فروقات كبيرة في مستوى الحوكمة، الشفافية، وقوة المؤسسات تجعل تنسيقًا حقيقيًا صعب التنفيذ.
  • التدخلات الإقليمية والدولية: حضور قواعد عسكرية أو تحالفات مع قوى كبرى يخلق تبعيات تقيد قدرة الدول على اتخاذ قرارات مستقلة.
  • أجندات داخلية متصارعة (طائفية، عرقية، حزبية): هذه الأجندات تستنزف الثقة بين الدول وتعيق مشروع تكامل حقيقي.

الفهم الواقعي لهذه الضوابط هو شرط مسبق لأي نقاش عن «قوة عربية» مستقبلية.


2. لو اتحد العرب: سيناريوهات ممكنة ونتائجها المرحلية

أضع هنا أربعة سيناريوهات عملية (ليست توصية بل تحليل):

السيناريو (أ) — اتحاد فضفاض: تحالف دفاعي واقتصادي

ماذا يعني؟ تعاون أمني مشترك، سوق تجارية موسّعة، تنسيق دبلوماسي أكبر دون فقدان سيادة الدول.
الإيجابيات: سهولة التطبيق نسبياً، فوائد اقتصادية فورية، قدرة على مواقف دبلوماسية موحّدة.
القيود: سياسات خارجية متباينة قد تعطل القرارات المشتركة، الحاجة لآليات تحكيم فعالة.

السيناريو (ب) — جيش عربي مشترك/تنسيق أمني موحّد

ماذا يعني؟ قوة ردع إقليمية مشتركة، مشتركات استخبارية، تدريبات موحّدة.
الإيجابيات: قدرة دفاعية أكبر، تقليل حاجة البعض للاعتمادات الخارجية الأمنية.
القيود والمخاطر: اختلاف أولويات الدول (من الواحد يرى خصماً داخلياً والآخر يرى تهديداً خارجياً)، مشاكل قيادية ولوجستية، خطر الاستحواذ من دولة أقوى سياسياً أو عسكرياً على قرارات القوة المشتركة.

السيناريو (ج) — عملة مشتركة/سوق مالية موحّدة

ماذا يعني؟ تسهيل التجارة، تقليل تكاليف التحويل، قدرة أكبر على مواجهة الضغوط الاقتصادية.
الإيجابيات: نمو تجاري سريع، قوة تفاوضية أكبر على الطاقة والأسواق.
القيود: فروقات اقتصادية كبيرة بين دول منتجة وغنية بالدخل ودول فقيرة؛ عملة موحدة تتطلب مؤسسات سنية ومالية قوية وإصلاحات اقتصادية شاملة.

السيناريو (د) — قيادة مركزية (مثلاً دور قيادي لمصر)

ماذا يعني؟ دولة لها ثقل تاريخي وجغرافي (مثل مصر) تتولى تأسيس بنية قيادية وتنسيق أمني-دبلوماسي.
الإيجابيات: وجود مركز واضح يساعد في حشد الموارد والبنى التحتية (قناة السويس، مؤسسات دبلوماسية).
القيود: حساسية السيادة لدى الدول الأخرى، مخاطر الاحتكاك الداخلي، إحساس بعض الدول بالهيمنة قد يولّد رفضاً أو سباقات تسلح.


3. الأساس الاقتصادي: ماذا لو استُثمرت أموال الخليج أو موارد النفط والغاز محلياً؟

المبالغ الهائلة المتداولة في المنطقة — سواء أموال حكومية أو رؤوس أموال خاصة — تُعد رأس مال استراتيجي. التحويل من إنفاق استهلاكي إلى استثمار صناعي مدروس يمكن أن يحقق:

  • تصنيع عسكري محلي عبر شراكات تكنولوجية مع صناعات عالمية، ما يقلل الاعتماد على الاستيراد.
  • بناء بنية تحتية لوجستية، موانئ، قواعد بحرية محلية (بإطار إقليمي) تخفّف الحاجة إلى قواعد أجنبية.
  • صندوق استثماري إقليمي يدعم مشروعات استراتيجية مشتركة.

لكن التحويل ليس تلقائياً: يتطلب حوكمة رشيدة، نقل تكنولوجيا حقيقي، بناء كفاءات بشرية، وتجنب الفساد. بدون هذه، الأموال ستظل تضخ في استهلاك أو صفقات قصيرة الأمد.


4. المضائق الاستراتيجية: قناة السويس، هرمز، باب المندب — ورقة قوة أم فخ مخاطرة؟

المضائق والقنوات مساحات نفوذ جيواقتصادي هائل. استخدامها كأداة ضغط يمكن أن يحدث أثرًا دوليًا سريعًا (على أسعار الطاقة وحركة التجارة)، لكن:

  • الاستخدام العسكري أو الحظر يحمل تبعات اقتصادية ذاتية كبيرة على بلدان المنطقة نفسها.
  • الضغط الدبلوماسي والاقتصادي المنسّق (مثل إغلاق جزئي مؤقت واستهداف سلاسل لوجستية محددة) قد يحقق تأثيراً أسرع وأقل تكلفة من حروب مباشرة.
  • الشرعية الدولية والقوانين البحرية تحد من الخيارات المتاحة وتستدعي حذراً شديداً لتفادي انعكاسات قانونية وسياسية.

بالتالي: المضائق قوة محتملة، لكنها سلاح ذو حدين يحتاج إلى استراتيجية محكمة ومسوغات دولية واضحة.


5. قواعد أجنبية أم قواعد إقليمية؟ قراءة في مزايا وعيوب

  • القواعد الأجنبية (أمريكية/روسية/أوروبية) عادةً ما تأتي مع ضمانات أمنية قصيرة الأمد لكنها تربط الدول بمصالح الدول المانحة وتضع الأولوية لها.
  • قواعد إقليمية مدعومةً بتعاون متعدد الأطراف قد تمنح استقلالية أكبر لكن تحتاج لتمويل وتنسيق سياساتي واعتماد تقني.

الرهان على قواعد إقليمية يتطلب ثقة متبادلة وشفافية — وهما عُنصرا الندرة الحاليان في المنطقة.


6. هل يمكن بالقوة الاقتصادية والدبلوماسية «إنهاء حرب» سريعة مثل غزة؟

الضغط الاقتصادي والدبلوماسي الموحد قد يسرّع وقفاً للنار أو صفقة سياسية — عبر فرض تكاليف على أطراف معينة وفتح بدائل سياسية. لكن إنهاء حرب في «أسبوع» أمر يعتمِد على متغيرات كثيرة: volonté سياسية للأطراف المعنية، مداخلات دولية أخرى، ميزان قوى عسكري، وحاجيات إنسانية. الواقع أن الضغط الإقليمي يمكن أن يكون عاملًا مسرّعًا لكنه نادراً ما يكون الضامن الوحيد.


بين الطموح والواقعية

الرؤية التي تتخيّل عالمًا عربيًا موحّداً سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً تحمل طاقة تغيير هائلة؛ لكن الطريق إليها طويل، يتطلب بناء مؤسسات قوية، إصلاحات داخلية، وحوارًا صادقًا بين النخب السياسية والاقتصادية والمجتمعية. الوحدة القابلة للحياة ليست اتفاقًا سحريًا بل مشروع بناء مؤسساتي يقطع زمنًا ويعالج جذور الاختلافات.

أحب أن أنهي هذه الورقة بدعوة إلى نقاش جاد: كيف ننتقل من شعارات إلى سياسات قابلة للتطبيق؟ كيف نحوّل الثروات والموارد إلى قدرات مؤسسية؟ الإجابة لا تنبثق في أسبوع، لكنها تبدأ بخريطة طريق عقلانية، شفافة وطويلة الأمد.

تعليقات